سورة طه - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


انظر إن هذه الأشياء التي ذكرها موسى عليه السلام هي مما تقضي بداية العقول أن فرعون وكل بشير بعيد منها لأنه لو قال هو القادر الرازق المريد العالم ونحو هذا من العبارات لأمكن فرعون أن يغالط فيقول أنا أفعل هذا كله فإنما أتاه موسى عليه السلام بصفات لا يمكنه أن يقول إن ذلك له وقرأ اين كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر {مِهاداً} بكسر الميم وبألف، والمهاد قيل هو جمع مهد، وقيل اسم مفرد كفرش وفراش، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {جعل لكم الأرض مَهْداً} بفتح الميم وسكون الهاء، وقوله {سلك} بمعنى نهج ولحب، والسبل الطرق، وقوله {فأخرجنا به} يحتمل أن يكون كلام موسى تم عند قوله {وأنزل من السماء ماء} ثم وصل الله تعالى كلام موسى بإخباره لمحمد صلى الله عليه وسلم والمراد الخلق أجمع، فهذه الآيات المنبهة عيلها، والأزواج هنا بمعنى الأنواع، وقوله {شتى} نعت للأزواج أي مختلفات، وقوله {كلوا وارعوا} بمعنى هي صالحة لأن يؤكل منها وترعى الغنم فيها فأخرج العبارة في صيغة الأمر لأنه أرجى الأفعال وأهدأها للنفوس، و{النهى} جمع نهية والنهية العقل الناهي عن القبائح، وقوله تعالى {منها خلقناكم} يريد من الأرض، وهذا حيث خلق آدم من تراب. وقوله {وفيها نعيدكم} يريد بالموت والدفن أو الفناء كيف كان وقوله {ومنها نخرجكم} يريد بالبعث ليوم القيامة، وقوله تعالى {ولقد أريناه} إخبار لمحمد صلى الله عليه وسلم عن فرعون، وهذا يؤيد أن الكلام من قوله {فأخرجنا} إنما هو خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقوله {كلها} عائد على الآيات التي رآها لا أنه رأى كل آية لله، وإنما المعنى أن الله تعالى أراه آيات، ما بكما لها فأضاف الآيات إلى ضمير العظمة تشريفاً لها، وقوله تعالى: {وأبى} يقتضي تكسب فرعون وهذا هو الذي يتعلق به الثواب والعقاب.


هذه المقاولة من فرعون تدل على أن أمر موسى قد كان قوي وكثر متبعوه من بني إسرائيل ووقع أمره في نفوس الناس، وذلك أنها مقاولة من يحتاج إلى الحجة لا من يصدع بأمر نفسه، وأرضهم هي أرض مصر، وقرأت فرقة {لا نخلُفه} بالرفع، وقرأت فرقة {لا نخلفْه} بالجزم على جواب الأمر، و{نحن} تأكيد للضمير من حيث احتاج الكلام إلى العطف عليه أكد، و{موعداً} مفعول أول ل {فاجعل}، و{مكاناً} مفعول ثان هذا الذي اختار أبو علي ومنع أن يكون {مكاناً} معمولاً لقوله {موعداً} لأنه قد وصف وهذه الأسماء العاملة عمل الفعل إذا نعتت أو عطف عليها أو أخبر عنها أو صغرت أو جمعت وتوغلت في الاسمية بمثل هذا لم تعمل ولا تعلق بها شيء هو منها، وقد يتوسع في الظروف فتعلق بعد ما ذكرنا كقوله عز وجل: {ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون} [غافر: 10] فقوله {إذ} [غافر: 10] معلق بقوله {لمقت الله} [غافر: 10] وهو قد أخبر عنه وإنما جاز هذا في الظروف خاصة، وكذلك منع أبو علي أن يكون قوله {مكاناً} قصياً على الظرف الساد مسد المفعول.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر ومنع قوم أن يكون {مكاناً} نصب على المفعول الثاني بتخلفه، وجوزه جماعة من النحاة ووجهه أن يتسع في أن يخلف الوعد. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع والكسائي {سِوى} بكسر السين، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة {سُوى} بضمها، والجمهور نون الواو، وقال أبو الفتح ترك الصرف هنا مشكل والذي ينبغي أن يكون محمولاً على الوقف، وقرأت فرقة {سوى} ذكره أبو عمرو عن ابن أبي عبلة ومعنى {سوى} أي عدلاً ونصفة قال أبو علي: فكأنه قال: {مكاناً} قربه منكم قربه منا _ع إنما أراد أن حالنا فيه مستوية فيعم ذلك القرب وأن تكون المنازل فيه واحدة في تعاطي الحق أي لا يعترضكم فيه الرياسة وإنما تقصد الحجة. و{سوى} لغة في سوى ومن هذه اللفظة قول الشاعر [موسى ابن جابر الحنفي] [الطويل]
وإن أباناً كان حل ببلدة *** سوى بين قيس قيس عيلان والفزر
وقالت فرقة مستوياً من الأرض لا وهد فيه ولا نشز، وقالت فرقة معناه سوى مكاناً هذا فقال موسى {موعدكم يوم الزينة} اتسع في الظرف من قرأه برفع {يومُ} فجعله خبراً وقرأ الحسن والأعمش والثقفي {يومَ} بالنصب على الظرف والخبر مقدر، وروي أن {يوم الزينة} كان عيداً لهم ويوماً مشهوراً وصادف يوم عاشوراء وكان يوم سبت وقيل هو يوم كسر الخليج الباقي إلى اليوم. وقوله {وأن يحشر الناس} عطف على {الزينة} فهو في موضع خفض، ويحتمل أن يكون في موضع رفع على تقدير وموعدكم أن يحشر الناس، ويقلق عطفه على {اليوم} وفيه نظر، وقرأ الجمهور {حُشر الناسُ} رفعاً وقرأ ابن مسعود والخدري وجماعة {يَحشُر الناسَ} بفتح الياء وضم الشين ونصب الناسَ وقرأت فرقة {نحشر الناس} بالنون. والحشر الجمع ومعناه نحشر الناس لمشاهده المعارضة والتهيؤ لقبول الحق حيث كان.


المعنى فجمع السحرة ووعدهم وأمرهم بالإعداد لموسى، وروي أمرهم، فهذا هو {كيده}، {ثم أتى} فرعون بجمعه وأهل دولته والسحرة معه وكانت عصابة لم يخلق الله أسحر منها وجاء أيضاً موسى عليه السلام ببني إسرائيل معه فقال موسى للسحرة {ويلكم} وهذه مخاطبة محذرة ندبهم في هذه الآية إلى قول الحق إذا رأوه وأن لا يباهتوا بكذب وقرأ ابن عباس ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر {فيَسحتكم} بفتح الياء، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {فيُسحتكم} بضم الياء وهما لغتان بمعنى يقال سحت وأسحب إذا أهلك وأذهب ومنه قول الفرزدق: [الطويل]
وعض زماني يا ابن مروان لم يدع *** من المال إلا مسحتاً أو مجلف
فهذا من أسحت فلما سمع السحرة هذه المقالة هالهم هذا المنزع ووقع في نفوسهم من مهابته أمر شديد {فتنازعوا} والتنازع يقتضي اختلافاً كان بينهم في السر أي قال بعضهم لبعض هو محق، وقال بعضهم هو مبطل، وقال بعضهم إن كان من عند الله فسيغلبنا ونحو هذا من الأقوال التي تعهد من الجموع الكثيرة في وقت الخوف كالحرب ونحو هذا، ومعلوم أن جميع تناجيهم إنما كان في أمر موسى. وقالت فرقة إنما كان تناجيهم بالآية التي بعد هذا {إن هذان لساحران} ع والأظهر أن تلك قيلت علانية ولو كان تناجيهم ذلك لم يكن ثم تنازع، و{النجوى} السرار والمساررة أي كان كل رجل يناجي من يليه، ثم جعلوا ذلك سراً مخافة فرعون أن يتبين فيهم ضعفاً لأنهم لم يكونوا حينئذ مصممين على غلبة موسى بل كان ظناً من بعضهم، وقوله تعالى: {إن هذان لساحران} الآية، قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي {إنّ} مشددة النون {هذان} بألف ونون مخففة للتثنية. وقرأ أبو عمرو وحده {إن هذين لساحران} وقرأ ابن كثير {إن هذان} بتخفيف نون {إنْ} وتشديد نون {هذان لسحران} وقرأ حفص عن عاصم {إن} بالتخفيف {هذان} خفيفة أيضاً {لساحران} وقرأت فرقة {إن هذان إلا ساحران}، وقرأت فرقة {إن ذان لساحران}، وقرأت فرقة {ما هذان إلا ساحران}، وقرأت فرقة {إن هذان} بتشديد النون من {هذان}. فأما القراءة الأولى فقالت فرقة قوله {إن} بمعنى نعم كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في خطبته: «إن الحمدُ لله» فرفع الحمد وقال ابن الزبير إن وراكبها حين قال له الرجل فأبعد الله ناقة حملتني إليك ويلحق هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الإبتداء وهو مما يجوز في الشعر ومنه قول الشاعر: [الرجز]
أم الحليس لعجوز شهربه *** ترضى من اللحم بعظم الرقبة
وذهبت فرقة إلى أن هذه الآية على لغة بلحارث وهو إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض فمن ذلك قول الشاعر [هوبر الحارثي]: [الطويل]
تزود منها بين أذناه ضربة *** دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال الآخر: [الطويل]
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى *** مساغاً لنا باه الشجاع لصمما
وتعزى هذه اللغة لكنانة وتعزى لخثعم وقال الفراء الألف في هذان دعامة وليست بمجلوبة للتثنية وإنما هي ألف هذا تركبت في حال التثنية كما تقول الذي ثم تزيد في الجمع نوناً وتترك الياء في حال الرفع والنصب والخفض وقال الزجاج في الكلام ضمير تقديره إنه هذان لساحران.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا التأويل دخول اللام في الخبر وقال بعض النحاة ألف هذان مشبهة هنا بألف تفعلان وقال ابن كيسان لما كان هذا بحال واحدة في رفعه ونصبه وخفضه تركت تثنيته هنا كذلك، وقال جماعة، منهم عائشة رضي الله عنها وأبو بكر، هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وهو تخفيف النون من أن ع وهذه الأقوال معترضة إلا ما قيل من أنها لغة، وإن بمعنى أجل ونعم أو إن في الكلام ضميراً وأما من قرأ إن خفيفة فهي عن سيبويه المخففة من الثقيلة ويرتفع بعدها الأسم ويقول الفراء هي بمعنى ما واللام بمعنى إلا ووجه سائر القراءات بينّ. وعبر كثير عن المفسرين عن الطريقة بالسادة وأنها يراد بها أهل العقل والسن والحجى وحكوا أن العرب تقول فلان طريقة قومه أي سيدهم والأظهر في الطريقة هنا أنها السيرة والمملكة والحال التي هي عليها، و{المثلى} تأنيث أمثل أي الفاضلة الحسنة. وقرأ جمهور القراء {فأجمعوا} بقطع الألف وكسر الميم على معنى أنقذوا وأعزموا، وقرأ ابو عمرو وحده {فاجمعوا} من جمع أي ضموا سحركم بعضه إلى بعض، وقرأ ابن كثير {ثمَّ} بفتح الميم {ايْتوا} بسكون الياء، وقرأ أيضاً في رواية شبل عنه بكسر الميم {ثمِ ايتوا} قال أبو علي وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من {ثم} وقرأ الجمهور {ثم ائتوا} بفتح الميم وبهمزة بعد الألف، قوله {صفاً} حال أي مصطفين وتداعوا إلى هذا لأنه أهيب وأظهر لهم، و{أفلح} معناه ظفر ببغيته و{استعلى} معناه طلب العلو في أمره وسعى سعيه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8